الحياة البرلمانية في الإمارات

عرفت دولة الإمارات العربية المتحدة مظاهر الحياة النيابية –قبل قيام الاتحاد- من خلال مجالس أصحاب السمو حكام الإمارات، والتي كانت تُعد أهم أماكن تبادل الرأي والمشورة بين الحاكم والمواطنين حول مختلف قضايا المواطنين وهمومهم ومشاكلهم ووسائل التغلب عليها، وكيفية تلبية احتياجاتهم وتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم.ثم جاء دستور دولة الاتحاد ليؤكد في ديباجته على رغبة أصحاب السمو حكام الإمارات في إرساء قواعد الحكم الاتحادي على أسس سليمة تُعد شعب الاتحاد للحياة الدستورية الحرة الكريمة، مع السير به قدماً نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان، حيث نصت المادة (45) من الدستور على أن يكون المجلس الوطني الاتحادي هو السلطة الاتحادية (الرابعة) في سلم السلطات الاتحادية (الخمس) المنصوص عليها في الدستور.

وتطبيقاً لذلك، تم تأسيس المجلس الوطني الاتحادي في سنة 1972م كأبرز صورة لمشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية في الدولة، وهذا ما أكد عليه المغفور له -بإذن الله- صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) في خطابه بمناسبة افتتاح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول للمجلس في يوم 12 فبراير سنة 1972م بقوله: “إن جماهير الشعب في كل موقع تشارك في صنع الحياة على تراب هذه الأرض الطيبة وفي بناء مستقبل باهر ومشرق وزاهر لنا وللأجيال الصاعدة من أبنائنا وأحفادنا”.

ويسهم المجلس الوطني الاتحادي في صنع القرارات السياسية في الدولة من خلال مناقشة وإقرار القوانين الاتحادية لتنظيم أمور المجتمع، ومناقشته للأسئلة التي يوجهها أعضاؤه إلى الوزراء المعنيين بشأن قضايا المواطنين واحتياجاتهم، أو مناقشته للموضوعات العامة لتبادل الرأي بشأنها مع الحكومة تحقيقاً لمصلحة الوطن والمواطن.

ثم جاء برنامج “التمكين” للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله في خطابه بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين في عام 2005م، والذي تضمن هدف تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للسلطة التنفيذية، وأن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين، وأن تترسخ من خلاله قيم المشاركة ونهج الشورى، وأن يتم تهيئة الظروف اللازمة لإعداد مواطن أكثر مشاركة وأكبر إسهاماً.

وبدأت مسيرة تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه عبر انتخاب نصف عدد أعضائه من خلال هيئات انتخابية، على أن يتم تعيين النصف الآخر من قبل أصحاب السمو حكام الإمارات، وذلك كبداية لمسيرة تُكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل من أبناء الوطن. حيث أُجريت أربعة استحقاقات انتخابات لاختيار نصف عدد أعضاء المجلس الوطني الاتحادي حتى الآن (2006، 2011، 2015، 2019م).

ولعل المحطة الأبرز في الدورة الرابعة من انتخابات المجلس الوطني الاتحادي هو إصدار المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله القرار رقم (1) لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قرار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رقم (3) لسنة 2006م بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي (وتعديلاته)، والذي يقضي برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى (50%) اعتباراً من الفصل التشريعي السابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي، والذي يأتي تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى للاتحاد رقم (1) لسنة 2019 في شأن تعديل بعض أحكام قرار المجلس الأعلى للاتحاد رقم (4) لسنة 2006 في شأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي (وتعديلاته).

ويعد هذا القرار محطة تاريخية مهمة تتعزز عبرها مكانة دولة الإمارات الريادية عالمياً في مجال تمكين المرأة في جميع المجالات، ولاسيما في مجال العمل البرلماني والذي كان لها بصمات واضحة فيه من خلال مناقشة القضايا التي تهم المجتمع والمواطن الإماراتي.

كما أنه وفي وقت سابق، وفي العام 2009 صدر قرار  التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2009، والذي تضمن إطالة مدة عضوية المجلس الوطني الاتحادي من سنتين إلى أربع سنوات، وأيضاً إطالة مدة دور الانعقاد من ستة أشهر إلى مدة لا تقل عن سبعة أشهر، كما تم منح المجلس استقلالية أكبر في وضع لائحته الداخلية، كذلك تم توسيع اختصاصات المجلس فيما يتعلق بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الحكومة.

شكراً على آرائكم