التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان | وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي

التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان

مارس 31, 2016

التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان

يلاحظ المتتبع لتطور الحياة البرلمانية في جمهورية السودان أنها قد مرت بعدة مراحل متميزة عن بعضها البعض. وسوف نتناول مراحل هذا التطور وفقاً لتقسيم يقوم على إلى مرحلتين رئيستين، هي:-

أولاً: مرحلة ما قبل إنشاء الجمعية التأسيسية (1910-1964م): وقد شهدت جمهورية السودان خلال هذه المرحلة عدة تجارب برلمانية، نلخصها فيما يلي:

(1) مجلس الحاكم العام (1910-1943م):

يُعد مجلس الحاكم العام الذي تم تأسيسه في عام 1910م بمقتضى قرار صدر من الحاكم العام للسودان في ظل الحكم الثنائي (البريطاني- المصري) أول تجربة برلمانية تشهدها دولة السودان. وكان المجلس يُشكل برئاسة الحاكم العام البريطاني، وعضوية كل من السكرتير الإداري، والسكرتير المالي، والسكرتير القضائي. بينما كان ينحصر دوره في بحث وإجازة القوانين واللوائح والأوامر التي يصدرها الحاكم العام البريطاني للسودان.

(2)  المجلس الاستشاري لشمال السودان (1943-1948م):

تأسس المجلس الاستشاري لشمال السودان في عام 1943م، بناء على توصية اللجنة التي عينها الحاكم العام للسودان بهدف بحث مدى الحاجة إلى إنشاء مجلس استشاري لشمال السودان، والتي أوصت بضرورة قيام المجلس. وكان يتم تشكيل المجلس من (28) عضواً يمثلون زعماء العشائر ورجال الإدارة الأهلية (الذين كانوا يمثلون نسبة 75% من عضوية المجلس) ورجال الدين في شمال السودان، وكان يتم تعيين جميع أعضائه بواسطة الحاكم العام لحكومة السودان (الذي كان رئيساً للمجلس)، إضافة إلى السكرتير القضائي والمالي والإداري وقائد قوة دفاع السودان. وبهذه المثابة؛ فقد اعتبر هذا المجلس السند الحقيقه للإدارة الثنائية (البريطانية-المصرية) التي كانت تحكم السودان حينذاك.

وكان المجلس يتمتع بصلاحيات محدودة، تتلخص في إبداء المشورة للحاكم العام في كل أمر يطلب فيه إبداء الرأي، ومناقشة بيانات الحكومة المركزية وبياناتها عن سياساتها وأنشطتها المختلفة، وإثارة أي موضوع من شأنه تطور السودان مع مراعاة القواعد المرسومة. وعلى الرغم من هذه الصلاحيات المحدودة؛ فقد شكل المجلس فرصة طيبة للتعرف على النظم واللوائح الحكومية وعلى نظام الحكم النيابي، مما أتاح الفرصة لأعضائه للتدريب على الحكم الذاتي.

ويُشار إلى أن المجلس كان يعقد دوراته (مرتين) في السنة، وبحيث تستمر الدورة لمدة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أيام فقط.

(3)  الجمعية التشريعية (1948-1956م):

تُعتبر الجمعية التشريعية التي تم تأسيسها في نهاية عام 1948م أول مؤسسة تشريعية في السودان بالمفهوم الحديث للمؤسسات التشريعية. وقد جاء تكوين الجمعية التشريعية في ظل الموجة الشعبية التي نشأت بعد المذكرة التي رفعها مؤتمر إدارة السودان -وهو المؤتمر الذي شكله الحاكم العام للسودان في 22 أبريل 1946م بغرض إشراك المواطنين السودانيين بشكل أكبر في إدارة البلاد- إلى حاكم عام السودان في شهر مارس من عام 1947م.

وكانت تتشكل الجمعية من (73) عضواً، موزعين على أساس (40) عضواً من رجال الإدارة الأهلية، و(21) عضواً من الموظفين، و(4) أعضاء من التجار، و(8) من الأعيان. ويبين من هذا التشكيل احتفاظ رجال الإدارة الأهلية بسيطرتهم على عضوية الجمعية بنسبة (55%) من عضوية الجمعية، بينما تراوحت نسبة تمثيل القوى الأخرى من التجار والأعيان والمثقفين ما بين (5%) إلى (29%) من عضوية المجلس.

أما عن طريقة تشكيل الجمعية، فقد كان يتم تشكيلها عن طريق الأخذ بنظام مختلط يجمع بين التعيين والانتخاب؛ حيث تم التركيز على أهمية تمثيل أصحاب الكفاءات الخاصة، من خلال تعيين بعض ذوي الكفاءات الخاصة في الجمعية للاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم المهنية.

ويُشار إلى أن قانون الانتخابات الذي كان يتم تشكيل الجمعية التشريعية على أساسه كان يأخذ بطريقة الانتخاب المباشر في المدن والبلديات، وبطريقة الانتخاب غير المباشر في الريف (عن طريق نظام المندوبين).

وعلى الرغم من أنه كان للحاكم العام والمجلس التنفيذي سلطة تشريعية تعلو سلطة الجمعية التشريعية؛ إلا أنها قد حققت عدة نجاحات على رأسها أنها كانت فرصة لتدريب عدد من النواب والوزراء السودانيين على نظم الحكم والحياة البرلمانية، وأيضاً الضغط على دولتي الحكم الثنائي (أي بريطانيا ومصر) لمنح السودان الحكم الذاتي. حيث بدأ مناقشة تقرير الحكم الذاتي داخل الجمعية في شهر أبريل من عام 1952م، ثم تقدمت الجمعية التشريعية بمذكرة الحكم الذاتي لحكومتي الحكم الثنائي في شهر مايو من نفس العام.

أعقب ذلك دعوة الحاكم البريطاني الأحزاب القائمة -آنذاك- إلى ترشيح مندوبين عنها لوضع دستور جديد للسودان يمنح السودانيين فرصة أكبر في إدارة شؤون بلدهم؛ وقد قبلت أغلبية الأحزاب الدعوة. حيث تم وضع دستور للبلاد (قانون الحكم الذاتي) في عام 1953م، والذي عُرف باسم دستور “استانلى بيكر”، كما تم تشكيل لجنة انتخابات مختلطة، تضم سبعة أعضاء: ثلاثة منهم سودانيون عينهم الحاكم العام، بينما تم تعيين الأربعة أعضاء المتبقين من انجلترا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية والهند، وقد تم الاتفاق على أن يتولى ممثل الهند رئاسة اللجنة.

ثم أجريت انتخابات الجمعية التشريعية وفقاً لقانون الانتخابات الذي تم وضعه في عام 1953م خلال شهري نوفمبر وديسمبر من عام 1953م، والتي شاركت فيها خمسة أحزاب سياسية، هي: الحزب الوطني الاتحادي، وحزب الأمة، وكتلة الجنوب، والحزب الجمهوري الاشتراكي، والجبهة المعادية للاستعمار. حيث استطاع الحزب الوطني الاتحادي الحصول على أغلبية مقاعد الجمعية بنسبة (51%) من إجمالي مجموع مقاعدها التي كانت تبلغ (97) مقعداً، بينما لم يحصل منافسه حزب الأمة سوى على (22) مقعداً فقط.

(4)  البرلمان الأول (1954-1957م): لم تستمر الجمعية التشريعية سوى لمدة عام واحد فقط؛ حيث تم تشكيل مؤسسة تشريعية جديدة لتكون بديلاً عن الجمعية في عام 1954م، أُطلق عليه “البرلمان”. وكان البرلمان يتكون من مجلسين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

وكان مجلس الشيوخ يُشكل من (50) عضواً، يتم اختيارهم عن طريق الجمع بين طريقتي الانتخاب والتعيين. وقد انحصرت اختصاصاته في اتخاذ التدابير اللازمة للشروع في تقرير المصير للسودان، وإقرار قانون انتخابات الجمعية التأسيسية. وقد أتم المجلس مدته الدستورية كاملة؛ حيث عقد المجلس (ثلاث) دورات انعقاد.

بينما كان يُشكل مجلس النواب من (97) عضواً، يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر. ويحسب لهذا المجلس أن استقلال السودان قد أعلن من داخله في يوم (19) ديسمبر 1955م، والسودنة، والموافقة على اتفاقية مياه النيل .

(5)  البرلمان الثاني عام 1958م:

أُجريت انتخابات البرلمان الثاني في شهر فبراير من عام 1958م، والتي كانت بداية لعهد الحكومات الائتلافية في السودان؛ حيث لم يحصل أي من الأحزاب الستة التي شاركت فيها على الأغلبية المطلقة التي تخوله تشكيل الحكومة بمفرده. فقد أسفرت نتائجها عن حصول حزب الأمة على (63) مقعدا،ً وحزب الشعب الديمقراطي على (26) مقعداً، والحزب الوطني الاتحادي على (44) مقعدا،ً وحزب الأحرار الجنوبي على (40) مقعداً.

وكان البرلمان يتكون من مجلسين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب. حيث كان يُشكل مجلس الشيوخ من (50) عضواً، يتم اختيارهم عن طريق الجمع بين طريقتي الانتخاب والتعيين. بينما كان يُشكل مجلس النواب من (172) عضواً، يتم اختيارهم بنظام الانتخاب الحر المباشر.

ولم يكتب لهذا البرلمان أن يكمل مدته الدستورية؛ حيث تم حل هذا البرلمان عندما استولى الجيش على السلطة في يوم (17) نوفمبر 1958م.

(6)  المجلس المركزي (1963-1964م):

قام المجلس العسكري -عقب استيلاء الجيش على السلطة في 17 نوفمبر 1958م- بإصدار قرار بتشكيل لجنة لدراسة تطوير المشاركة الشعبية في حكم البلاد. حيث قدمت اللجنة تقريرها إلى المجلس العسكري في شهر يناير من عام 1962م متضمناً التوصية بإنشاء مجلس مركزي يتمتع بسلطات تشريعية.

وقد أُنشئ المجلس المركزي في عام 1963م لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في العمل كجهاز تشريعي للدولة، على أن يتولى مهمة وضع مسودة دستور جديد للبلاد.

وكان “المجلس المركزي” يتشكل من (82) عضواً، يتم اختيارهم عن طريق الجمع بين طريقتي الانتخاب والتعيين (إضافة إلى الوزراء وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة).

حيث كان يتم انتخاب مجالس محلية في كل مديرية من مديريات السودان، ثم تقوم هذه المجالس بانتخاب مجلس لتلك المديرية، على أن يقوم مجلس كل مديرية من المديريات (التسع) بانتخاب (ستة) من أعضائه لتمثيل المديرية في المجلس المركزي في العاصمة.

وإضافة إلى هؤلاء الأعضاء الأربعة والخمسين المنتخبين انتخاباً غير مباشر، يقوم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيين (ثمانية عشر) عضواً، بحيث يصبح عدد أعضاء المجلس المركزي اثنين وسبعين عضواً، إضافة إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ولم تستمر تجربة المجلس المركزي مدة طويلة؛ حيث تم حله إبان الثورة الشعبية التي اندلعت في السودان خلال شهر أكتوبر من عام 1964م.

شكراً على آرائكم