التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان (2) | وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي

التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان (2)

يونيو 30, 2016

التطور التاريخي للحياة البرلمانية في جمهورية السودان (2)

تناولنا -في العدد السابق- المرحلة الأولى من مراحل تطور الحياة البرلمانية في جمهورية السودان، وهي المرحلة التي سبقت إنشاء الجمعية التأسيسية، والتي امتدت من عام 1910م (تاريخ إنشاء مجلس الحاكم العام)، واستمرت حتى عام 1964م (تاريخ حل المجلس المركزي).  واستكمالاً لذلك، فسوف نتناول في هذا العدد المرحلة الثانية من مراحل تطور الحياة البرلمانية في جمهورية السودان، وهي المرحلة التي بدأت بإنشاء الجمعية التأسيسية في عام 1968م، ومازالت مستمرة حتى وقتنا الحاضر.

ثانياً: مرحلة ما بعد إنشاء الجمعية التأسيسية (1968-2015م): وقد شهدت جمهورية السودان خلال هذه المرحلة عدة تجارب برلمانية، نلخصها فيما يلي:-

(1)  الجمعية التأسيسية (1968-1969م):

تم تشكيل هذه الجمعية من (210) عضواً عن طريق الانتخاب المباشر، وذلك وفقاً لقانون الانتخاب الذي صدر في عام 1965م، والذي تضمن تخفيض سن الانتخاب من (21) عاماً إلى (18) عاماً، كما أنه منح المرأة حقي التصويت والترشح.

وقد تم تكوين لجنة قومية من (37) عضواً من داخل البرلمان وخارجه، ولجنة أخرى من (15) عضواً من كبار القانونيين لإعداد الدراسات القانونية الخاصة بالدستور، وذلك لوضع مسودة مشروع الدستور وعرضه على الجمعية لمراجعته والموافقة عليه.

إلا أن الجمعية لم تنجح في مراجعة مشروع الدستور بسبب الصراعات التي نشأت داخلها، وأدت إلى استقالة خمس أعضائها، وذلك نتيجة لقرار الجمعية بطرد نواب الحزب الشيوعي منها وحظر نشاطه، إلى أن تم حلها في يوم 25 مايو 1969م بسبب قيام ثورة مايو.

(2)  مجلس الشعب القومي الأول (1972-1973م):

تم تشكيل مجلس الشعب القومي كأول مجلس تشريعي بعد قيام ثورة مايو 1969م من (255) عضواً عن طريق الجمع بين نظام الانتخاب (125 دائرة جغرافية وفئوية) ونظام التعيين (10% من الأعضاء يعينهم الرئيس) وبحكم المنصب، وذلك وفقاً لقواعد انتخابات مجلس الشعب التي صدرت في عام 1973م.

وقد انحصرت مهمة هذا المجلس في وضع دستور للبلاد وإجازته خلال مدة (ستة) أشهر. حيث قام المجلس بأهم إنجاز في الحياة الدستورية لجمهورية السودان وهو وضع دستور دائم للبلاد في عام 1973م.

(3)  مجلس الشعب القومي الثاني (1974-1976م):

تم تشكيل هذا المجلس من (229) عضواً بنفس الطريقة التي تم بها تشكيل مجلس الشعب القومي الأول، أي طريقة الجمع بين نظامي التعيين والانتخاب وبحكم المنصب.

وقد قام هذا المجلس بتعديل دستور سنة 1973م الذي وضعه مجلس الشعب القومي الأول، كما أنجز العديد من التشريعات الأخرى. إلا أنه تم حله بموجب قرار جمهوري قبل انتهاء مدته في عام 1976م.

(4)  مجلس الشعب الثالث (1978-1980م):

تم تشكيل هذا المجلس من (299) عضواً عن طريق الانتخابات التي أُجريت بعد المصالحة الوطنية التي تمت في عام 1978م؛ والتي تم بموجبها إدخال بعض التعديلات التي وسعت من قاعدة تمثيل ما عُرف “بالقوى الحديثة”. حيث خاضت أحزاب المصالحة تلك الانتخابات في الدوائر الجغرافية، مما أدى إلى احتدام الصراع السياسي داخل المجلس بين قيادات الاتحاد الاشتراكي وقادة الأحزاب المعارضة المشاركين. إلا أنه لم يُقدر لهذا المجلس أن يكمل مدته القانونية؛ حيث تم حله في عام 1980م.

(5)  مجلس الشعب الرابع (1980-1981م):

تم تشكيل هذا المجلس من (358) عضواً عن طريق الأخذ بنظام مختلط (التعيين والانتخاب وبحكم المنصب). ويُحسب لهذا المجلس أنه أنجز قانون الحكم الإقليمي عام 1980م، وقانون الحكم الشعبي المحلي عام 1981م. إلا أنه قد تم حل هذا المجلس بعد فترة قصيرة (دورتين فقط)؛ وذلك بسبب قيام بعض أعضائه بمعارضة حكومة مايو داخل المجلس، الأمر الذي اعتبر خطراً يهدد النظام.

(6)  مجلس الشعب الخامــس (1982-1985م):

تم تشكيل هذا المجلس من (151) عضواً عن طريق نظام مختلط (الانتخاب والتعيين وبحكم المنصب)؛ حيث لم يختلف هذا المجلس عن المجالس السابقة من حيث طريقة انتخاب أعضائه ومشاركة القوى التقليدية فيها. ويُحسب لهذا المجلس أنه أنجز عدة تشريعات بلغ عددها (13) قانوناً أساسياً في عام 1983م، وأيضاً قاد عملية الانفتاح على دول الجوار، كما أنه ساهم في تأسيس برلمان وادي النيل، كذلك أقام علاقات متميزة مع المنظمات الدولية، وبخاصة الاتحاد البرلماني الدولي. إلا أنه لم يُقدر لهذا المجلس أن يكمل مدته القانونية؛ فلم يعقد سوى ثلاث دورات فقط. حيث تم حله بقيام انتفاضة أبريل عام 1985م، مما اعتبر نهاية حكومة مايو (1969-1985م).

(7)  الجمعـية التأسـيسـية (1986-1989م):

تم تشكيل الجمعية التأسيسية بعد حل المجلس العسكري الانتقالي في عام 1986م من (301) عضواً عن طريق نظام الانتخاب في الدوائر الجغرافية ودوائر الخريجين (أي المثقفين) التي عادت بعد إلغائها في عام 1965م. حيث شاركت في هذه الانتخابات جميع الأحزاب التقليدية والحديثة.

وقد عقدت الجمعية التأسيسية أربع دورات برلمانية، قامت خلالها بتعديل الدستور الانتقالي وإجازة عدد من القوانين الهامة. إلا أنه قد تم حلها بقيام ثورة الإنقاذ الوطني في عام 1989م.

(8)  المجلس الوطني الانتقالي (1992-1999م):

تم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي كأول مؤسسة تشريعية بعد قيام حكومة الإنقاذ الوطني من (425) عضواً عن طريق نظام مختلط (نظام التعيين وبحكم المنصب). ويُحسب لهذا المجلس أنه قام –خلال مدته التي استمرت لثماني دورات برلمانية- بوضع الدستور الدائم للبلاد في سنة 1998م، وإنجاز قانون الانتخابات لعام 1998م الذي تضمن الأخذ بنظام السجل الانتخابي الدائم ونظام الأغلبية البسيطة والجمع بين نظام الانتخاب الفردي (في الدوائر الجغرافية) ونظام الانتخاب بالقائمة (في الدوائر المهنية)، والموافقة على اتفاقية الخرطوم للسلام وبعض القوانين الهامة والاستراتيجية القومية الشاملة. وقد تم حل هذا المجلس في ديسمبر من عام 1999م؛ حيث أُجريت انتخابات نيابية في ديسمبر من عام 2000م لانتخاب مجلس نيابي جديد.

(9)  المجلس الوطني (2001-2005م):

تم تشكيل هذا المجلس من) 360) عضواً عن طريق نظام انتخابي مختلط (مباشر وغير مباشر). وقد استمر هذا المجلس (ست) دورات، حقق خلالها عدة إنجازات، أهمها: المساهمة في تأسيس البرلمان الأفريقي المرتقب واختياره لعضوية اللجنة المكلفة من الاتحاد البرلماني الأفريقي للترويج للبرلمان الأفريقي، وأيضاً الانفتاح على البرلمانات والاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية وخلق علاقات ثنائية راسخة ساعدت كثيراً في إبراز وجه السودان الحضاري الحقيقي وإمكاناته وقدراته، كما أنجز المجلس عدداً من القوانين والاتفاقات الهامة، كذلك قام المجلس بدور رقابي فاعل، خاصة فيما يتعلق بالتصرف في المال العام ومستوى الأداء في الهيئات والمؤسسات الحكومية، وأخيراً استضافة الاتحاد البرلماني العربي وتقلد رئاسته، واستضافة الاتحاد البرلماني الأفريقي وتقلد أمانته العامة.

(10) المجلس الوطني الرابع (2005-2008م):

تم تشكيل هذا المجلس بموجب اتفاقية السلام الشامل (أي اتفاقية نيفاشا) الموقعة في (9) يناير 2005م، حيث قضت المادة (117) من الدستور الانتقالي لسنة 2005م بأن يُشكل المجلس الوطني -إلى حين إجراء الانتخابات في عام 2010م- من (450) عضواً، يتم تعيينهم وفقاً للنسب الآتية:

أ‌. 52% للمؤتمر الوطني (49% شماليون و3% جنوبيون).

ب‌. 28% للحركة الشعبية لتحرير السودان (21% جنوبيون و7% شماليون).

ج. 14% للقوى السياسية الشمالية الأخرى.

د. 6% للقوى السياسية الجنوبية الأخرى.

وقد استمر هذا المجلس لمدة (3) أعوام، وكان له دورتا انعقاد في السنة، ومدة كل منها (ثلاثة) أشهر.

(11) المجلس الوطني الخامس (2010-2015م):

تم تشكيل المجلس الوطني الخامس من خلال الانتخابات التشريعية التي أُجريت في أبريل من عام 2010م، بموجب قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م، والذي نصت المادة (29/2) منه على أن يتكون المجلس الوطني من (450) أربعمائة وخمسين عضواً منتخباً على النحو الآتي:-

(أ) (60%) من أعضاء المجلس (أي 270 عضواً)، يتم انتخابهم لتمثيل الدوائر الجغرافية على مستوى الدولة. ويتم ذلك عن طريق قيام الناخب بالتصويت لصالح أحد المرشحين في دائرته الجغرافية، على أن يفوز في الدائرة الجغرافية المرشح الحاصل على أعلى عدد من أصوات الناخبين الصحيحة في تلك الدائرة.

(ب) (40%) من أعضاء المجلس (أي 180 عضواً)، يتم انتخابهم على أساس التمثيل النسبي على مستوى الولاية عبر قوائم حزبية منفصلة ومغلقة. ويتم ذلك عن طريق قيام الناخب بالتصويت لصالح إحدى قوائم المرأة التي تمثل (25%) من مجموع مقاعد المجلس (أي 112 عضواً)، وأيضاً لصالح إحدى القوائم الحزبية التي تمثل (15%) من مجموع مقاعد المجلس (أي 68 عضواً).

وقد أجريت تلك الانتخابات في جميع الولايات (بما فيها جنوب السودان)، وذلك وفقاً للنظام المختلط الذي يجمع بين الدوائر الجغرافية؛ بحيث يفوز المرشح الذي حصل على أكثر عدد من أصوات الناخبين الصحيحة، ونظام القوائم الحزبية؛ بحيث تفوز كل قائمة حزبية بعدد المقاعد التي تتناسب مع عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها، بشرط حصول القائمة على (5%) من إجمالي عدد الأصوات المدلى بها على مستوى الدولة -كحد أدنى- للتنافس على الفوز بمقاعد المجلس المخصصة للقوائم.

(12) المجلس الوطني الحالي (2015- حتى الآن):

تم تشكيل المجلس الوطني الحالي من خلال الانتخابات التي أُجريت في شهر أبريل من عام 2015م، وهي أول انتخابات تجرى في جمهورية السودان منذ انفصال الجنوب وتأسيس دولة “جنوب السودان”.

ويتكون المجلس الحالي من (450) عضواً. تم انتخاب نسبة (55%) منهم من خلال الدوائر الجغرافية، بينما تم انتخاب نسبة (30%) منهم من النساء وفقاً لنظام التمثيل النسبي على أساس نظام القوائم الحزبية، أما نسبة الـــ(15%) المتبقية من الأعضاء، فقد تم انتخابهم على أساس التمثيل النسبي.

شكراً على آرائكم