تطور الحياة البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية | وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي

تطور الحياة البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية

سبتمبر 30, 2016

تطور الحياة البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية

مرت الحياة البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية عبر تاريخها بعدة مراحل مهمة. حيث بدأت الحياة البرلمانية في موريتانيا في عام 1946م قبل استقلال البلاد عن فرنسا (في عام 1960م)، مروراً بمرحلة الحكم المدني (1978-1970م)، ثم مرحلة هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة في البلاد (1985-1978م)، وأخيراً المرحلة الحالية التي بدأت مع وضع دستور سنة 1991م، والتي ما زالت مستمرة حتى وقتنا الحاضر.

وبناء على ما تقدم، فسوف نتناول مراحل تطور الحياة البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية على النحو التالي:-

أولاً: مرحلة ما قبل الاستقلال:

بدأت هذه المرحلة في عام 1946م بالتزامن مع إنشاء الاتحاد الفرنسي (أو ما يُعرف بالمجموعة الفرنسية)؛ والذي تم بمقتضاه وضع الدول التي تحتلها فرنسا -ومن بينها موريتانيا- تحت الإدارة الفرنسية مع منح الدول المحتلة نوعاً من الاستقلال الداخلي من خلال انتخاب جمعية وطنية تقوم باختيار رئيس الحكومة، وأيضاً انتخاب نواب يمثلون الدولة في الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس.

وعلى هذا الأساس؛ فقد تم تشكيل مجلس عام في موريتانيا في شهر أكتوبر من عام 1946م من (20) عضواً، كان يتم انتخابهم عن طريق نظام مختلط: بحيث يتم انتخاب بعضهم عن طريق نظام الاقتراع العام، بينما تم انتخاب البعض الآخر عن طريق نظام الاقتراع المقيد من خلال الموظفين والشخصيات الحائزة على أوسمة فرنسية والمواطنين الذين يدفعون الضرائب.

وكان المجلس العام يتكون من جمعيتين: أولاهما جمعية تُشكل من (6) أعضاء، كان يتم انتخابهم من جانب المواطنين الفرنسيين فقط. وثانيتهما جمعية تُشكل من (14) عضواً، كان يتم انتخابهم من جانب المواطنين الموريتانيين الأصليين فقط.

وكان المجلس العام ذا طبيعة استشارية؛ فقد كان دوره ينحصر في تقديم المشورة للحاكم الفرنسي لموريتانيا في القضايا المحلية (غير السياسية)، كما كان المجلس يقوم باختيار (خمسة) من أعضائه لتمثيل موريتانيا في المجلس الأعلى لإفريقيا الغربية الفرنسية(FAO) ، والذي كان يوجد مقره في مدينة (داكار) السنغالية.

وقد تم تطوير المجلس العام في سنة 1952م من خلال زيادة عدد أعضاء الجمعية (الثانية) إلى (18) عضواً، كما أصبح يتم انتخاب أعضائه عن طريق نظام الاقتراع العام المباشر فقط.

كما تم في سنة 1957م انتخاب جمعية قطرية (وطنية) بواسطة أعضاء المجلس العام والناخبين. والتي قامت بتعيين “مجلس حكومة موريتانيا المستقلة ذاتياً” برئاسة الحاكم الفرنسي لموريتانيا، وذلك بموجب القانون الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية في سنة 1956م. وكان يتشكل هذا المجلس من نائب للرئيس، علاوة على سبعة وزراء، من بينهم وزيران أوربيان يملكان سلطات واسعة فيما يتعلق بالأمور الداخلية، إلا أنهما كانا مسؤولين أمام الجمعية.

وقد تحولت الجمعية القطرية إلى جمعية تأسيسية في عام1958م، حيث صادقت على أول دستور للجمهورية الإسلامية الموريتانية في عام 1959م، والذي أسس لنظام برلماني؛ تمتع في ظله النواب بصلاحية تعيين رئيس الحكومة (الوزير الأول آنذاك) دون أن يكون مسؤولاً أمامها، ويساعده مجموعة من الوزراء، علاوة على لجنة دستورية تقوم بدور”الحكم” بين الحكومة والجمعية الوطنية. مع العلم بأنه لم يكن هناك منصب رئيس الجمهورية.

كذلك تم في شهر مايو من عام 1959م تشكيل جمعية وطنية من (30) عضواً ينتمون إلى حزب التجمع الموريتاني، الذي تأسس في عام 1958م عن طريق اندماج بين الحزب التقدمي الموريتاني، والوفاق الموريتاني، والتكتل الديمقراطي لولاية كوركول. ويُحسب لهذه الجمعية توقيعها لاتفاقية استقلال البلاد عن فرنسا.

ثانياً: مرحلة الحكم المدني:

شهدت موريتانيا عقب إعلان استقلالها عن فرنسا في 28 نوفمبر 1960م مرحلة حكم مدني، والتي عرفت بمرحلة (التوجه اللليبرالي). بنظام الحزب الواحد؛ حيث أصبح حزب الشعب الموريتاني، والذي تأسس في سنة 1961م عن طريق اندماج الأحزاب التي أُطلق عليها (أحزاب الطاولة المستديرة)، وهي: حزب التجمع الموريتاني، النهضة من أجل اتحاد وطني موريتاني واتحاد الاشتراكيين لمسلمي موريتانيا، هو الحزب الشرعي الوحيد الذي احتكر جميع الترشيحات لعضوية الجمعية الوطنية من خلال اللائحة الموحدة التي يقدمها، وذلك بمقتضى الإصلاح الدستوري الذي تم إجراؤه في شهر يناير من عام 1965م.

وإجراؤها التعديل الدستوري في عام 1961م، والذي حول نظام الحكم في موريتانيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي تميل السلطة فيه لصالح مؤسسة رئيس الجمهورية وكانت هناك تعددية حزبية انتهت بقيم الحزب الواحد دستوريا في أواسط الستينيات من القرن الماضي حيث كان رئيس الجمهورية المختار ولد داداه (1960-1978) رئيس الحزب ورئيس الجمهورية والحزب هو المهيمن على العملية السياسية رئاسة وبرلمانا وهيئات.

ويمكن القول بصفة عامة أن دستور 1961 نفسه قد استفاد من التجربة الفرنسية لسنة 1958 في الجانب المتعلق بدعم السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، إضافة إلى الاستفادة من النظام الرئاسي الأمريكي دون أخذ سلطات الكونغرس بعين الاعتبار.

وبناء على ذلك؛ فقد تم تشكيل جمعية وطنية في شهر مايو من عام 1965م من (50) عضواً ينتمون إلى حزب الشعب الموريتاني. ويُشار إلى أنه قد تم تمديد المدة الدستورية لهذه الجمعية لمدة (سنة).

كما تم انتخاب جمعية وطنية جديدة في شهر أغسطس من عام 1971م، وكانت تتكون من (50) عضواً من بينهم عدد من عضوات المجلس الأعلى لنساء حزب الشعب الموريتاني.

أما آخر جمعية وطنية فقد تم انتخابها في شهر مايو من عام 1975م من (70) عضواً، ثم أُضيف إلى عضويتها (سبعة) أعضاء آخرون في سنة 1976م كممثلين لمنطقة (تيرس الغربية)، التي تم ضمها إلى موريتانيا بعد ترسيم حدود السيادة المغربية والموريتانية في الصحراء الغربية. وقد تم حل هذه الجمعية بعد الانقلاب العسكري الذي تم في 10 يوليو عام 1978م.

ثالثاً: مرحلة هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة:

أعقب استيلاء الجيش على السلطة في موريتانيا في يوم 10 يوليو من عام 1978م هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد من خلال “اللجنة العسكرية للخلاص الوطني”، والتي علقت العمل بدستور 1961م، وأصدرت ميثاقاً دستورياً لتنظيم صلاحياتها التشريعية والتنفيذية.

وقد اتسمت الحياة السياسية في موريتانيا خلال هذه الفترة بعدم الاستقرار السياسي، وذلك بسبب توالي وقوع الانقلابات العسكرية في موريتانيا خلالها (ست انقلابات).

وقد ترتب على حالة عدم الاستقرار السياسي في موريتانيا خلال تلك الفترة عدم وضع مؤسسات ديمقراطية تحكم البلاد؛ حيث تم تسيير الحياة السياسية في موريتانيا عن طريق المواثيق الدستورية التي أصدرتها اللجنة العسكرية واحداً تلو الآخر (وعددها ستة مواثيق)، والتي لم تنظم سلطات الدولة تنظيماً كاملاً، على أساس أن فترة سريانها هي فترة مؤقتة وانتقالية.

رابعاً: مرحلة الانفتاح السياسي:

بدأت هذه المرحلة بصدور دستور سنة 1991م، والذي تقضي المادة (45) منه بأن “يمارس البرلمان السلطة التشريعية”. ويتمتع البرلمان بحق اقتراح مشروعات القوانين ومناقشتها وتعديلها في المجالات التي تحددها المادة (57) من الدستور، وهي: الحقوق والواجبات الأساسية للأشخاص، ونظام الحريات العامة، والجنسية، والأحوال الشخصية، والالتزامات المدنية والتجارية. ويعني ذلك أن الدستور الموريتاني قيد السلطة التشريعية ليطلق يد الحكومة في التشريع في القضايا التي لم ينص عليها في صلاحيات البرلمان على سبيل الحصر.

كما يشار إلى أن رئيس الجمهورية يملك حق حل البرلمان، كما يملك حق الاعتراض على القوانين التي يوافق عليها.

ويتكون البرلمان في موريتانيا من مجلسين، هما:-

(1)  الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى): ويتم تشكيلها عن طريق الاقتراع العام المباشر بنظام الأغلبية على دورين، وذلك لمدة (خمس) سنوات. ويجب أن لا يقل عمر عضو الجمعية عن (25) سنة.

وقد تم تشكيل أول جمعية وطنية بعد صدور الدستور في سنة 1992م من (79) عضواً، ثم أُعيد تشكيلها في عام 1996م دون تغيير في عدد أعضائها.

إلا أنه قد أدخلت عدة تعديلات على كيفية تشكيل الجمعية الوطنية في الانتخابات التي أُجريت في عام 2001م. حيث تم الأخذ بنظام التمثيل النسبي -بدلاً من نظام الأغلبية على دورين- من خلال  لوائح (أو قوائم) مشتركة، كما تم زيادة عدد أعضاء الجمعية إلى (81) عضواً بعد منح ولايتي نواذيب وسيليبابي مقعدين إضافيين. وقد تم حل هذه الجمعية عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في يوم (3) أغسطس من عام 2005م.

كذلك تم إدخال تعديل آخر على الجمعية الوطنية التي تم تشكيلها في عام 2006م عقب التعديل الدستوري الذي أجري في يونيو من عام 2006م؛ حيث تم تشكيل لائحة أُطلق عليها (اللائحة الوطنية)، وكانت تضم (14) مقعداً يتم انتخابهم عن طريق نظام التمثيل النسبي من بين مرشحي الأحزاب السياسية الشرعية. كما تم تخصيص نسبة (%20) -على الأقل- من مقاعد المجلسين للنساء.

(2)  مجلس الشيوخ (المجلس الأعلى): ويتم تشكيله من (56) عضواً لا تقل أعمارهم عن (35) سنة: منهم (53) عضواً يمثلون الأقاليم، ويتم انتخابهم من خلال (53) دائرة انتخابية بواقع  عضو واحد لكل دئراة انتخابية عن طريق نظام الأغلبية البسيطة على دورين، و(3) ثلاثة أعضاء يمثلون الموريتانيين المقيمين في الخارج، ويتم انتخابهم من خلال أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين الذين يمثلون الأقاليم (53 عضواً).

وتكون مدة العضوية في مجلس الشيوخ (ست) سنوات، على أن يتم تجديد (ثلث) أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين، وذلك من أجل ضمان التلاؤم الأمثل ما بين مجلس الشيوخ وتطورات المجتمع واتجاهات الرأي. حيث يتم توزيع الأعضاء (الشيوخ) بحسب دوائرهم الانتخابية مرتبة أبجدياً إلى (ثلاث) قوائم متساوية تقريباً. وتحدد القرعة التي يقوم بها مكتب مجلس الشيوخ المقاعد التي سوف يتم تجديدها.

ويعقد مجلس الشيوخ دورتين تشريعيتين عاديتين في السنة: تبدأ الدورة الأولى في يوم الاثنين الثاني من نوفمبر، بينما تبدأ الدورة الثانية في يوم الاثنين الثاني من مايو. على أن لا تتجاوز مدة كل دورة تشريعية عادية (شهرين).​

شكراً على آرائكم