تطور الحياة النيابية في المملكة المغربية (3)
مارس 31, 2015

نستكمل في هذا العدد مراحل تطور الحياة النيابية في المملكة المغربية. حيث نتناول التجربتين البرلمانيتين التي شهدتهما المملكة منذ عام 1997م وحتى الآن، وهما: التجربة البرلمانية السادسة (1997-2011)، والتجربة البرلمانية السابعة (2011-حتى الآن). وذلك على التفصيل التالي:
أولاً: التجربة البرلمانية السادسة (1997-2011):
نشأت هذه التجربة في ظل الدستور الذي صدر في عام 1996م، والذي أخذ بنظام المجلسين النيابيين (أي نظام الغرفتين):
– مجلس النواب: والذي كان يتكون من (325) عضواً، يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام المباشر لمدة (خمس) سنوات وفقاً لنظام الانتخاب الفردي بالأغلبية النسبية على دور واحد. بحيث يتم انتخاب (295) عضواً منهم على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية، بينما يتم انتخاب الـ(30) عضواً الباقين على المستوى الوطني من خلال لائحة مستقلة خصصت للنساء (باتفاق ضمني بين الأحزاب السياسية) لضمان حصة تمثيلية للنساء في مجلس النواب.
– مجلس المستشارين: والذي كان يتكون من (270) عضواً. بحيث يتم انتخاب ثلاث أخماس (60%) من أعضاء المجلس عن طريق هيئة ناخبة مشكلة من ممثلي الجماعات المحلية (الشعب)، أما الخمسان الباقيان (40%) من أعضاء المجلس فكان يتم انتخابهم عن طريق هيئات ناخبة مشكلة من الأعضاء المنتخبين في الغرف المهنية، إلى جانب أعضاء يتم انتخابهم من قبل هيئة ناخبة من ممثلي العمال على المستوى الوطني. وكانت مدة عضوية المجلس (تسع) سنوات، على أن يتم تجديد (ثلث) مقاعد المجلس كل ثلاث سنوات عن طريق نظام القرعة.
وقد أجريت عدة انتخابات تشريعية في ظل هذه التجربة البرلمانية. حيث أُجريت أول هذه الانتخابات في يوم 14 نوفمبر عام 1997م، والتي تميزت بأنها أرست مبدأ التناوب (أو التداول) في الحكم. فعلى الرغم من المواقف المتباينة للأحزاب بشأن هذه الانتخابات، فقد قام الملك بتكليف الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي (باعتباره الحزب الفائز في الانتخابات) بتشكيل الحكومة الجديدة (وعُرفت بحكومة التناوب التوافقي). كما بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات حوالي (58.3%) من المسجلين في اللوائح الانتخابية. كذلك فإن تمثيل المرأة في مجلس النواب كان ضعيفاً؛ حيث لم تفز سوى (2) مرشحتان فقط بعضوية مجلس النواب في هذه الانتخابات.
أما الانتخابات التشريعية الثانية فقد أُجريت في يوم (27) سبتمبر عام 2002م، وقد تميزت هذه الانتخابات بعدة سمات عن سابقاتها: من حيث أنها أخذت بنظام “التمثيل النسبي” بدلاً من نظام “الأغلبية”، وأيضاً أنها تمت في عهد ملك جديد (أي الملك محمد السادس)، كما أنها تمت في ظل حكومة التناوب التوافقي، كذلك فقد تمت الإشادة بشفافيتها ونزاهتها على المستوى الداخلي والخارجي، وأخيراً فقد وصل عدد النساء المنتخبات بمقاعد في مجلس النواب إلى (35) سيدة.
إلا أنه يشار إلى أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد انخفضت عن مثيلتها في انتخابات 1997م؛ حيث انخفضت نسبة المشاركة فيها إلى (52%) من المسجلين في اللوائح الانتخابية.
بينما أُجريت الانتخابات التشريعية الثالثة في يوم (7) سبتمبر من عام 2007م، والتي اتسمت بتدني نسبة المشاركة فيها عن سابقتها؛ والتي لم تزد على (37%) من المسجلين في اللوائح الانتخابية، وهي أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات التشريعية في المغرب. وقد عزا بعض المحللين السياسيين انخفاض نسبة المشاركة إلى عاملين أساسين: أولهما تزايد الشعور لدى قطاع كبير من الناخبين بأن مجلس النواب هو مؤسسة غير فعالة لا تقدم حلولاً ناجعة لحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، وثانيهما تزايد عدم الثقة الشعبية في الحياة السياسية برمتها، من حيث عدم مساهمة عملية الإصلاح السياسي في تخفيف تكريس السلطة في يد الملك، أو في خلق نظام مراقبة ومحاسبة فعال.
ويشار إلى أن عدد النساء اللائي فزن بمقاعد في مجلس النواب في هذه الانتخابات وصل إلى (34) سيدة.
ثانياً: التجربة البرلمانية السابعة (2011-حتى الآن):
نشأت هذه التجربة في ظل دستور سنة 2011، والذي تمت الموافقة الشعبية عليه في الاستفتاء الذي أُجري في الأول من يوليو عام 2011م. وقد أخذ هذا الدستور بنظام المجلسين النيابيين، وهما:
– مجلس النواب: وأصبح يتألف من (395) عضواً، يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع المباشر بنظام الأغلبية النسبية (ويُسمى الاقتراع باللائحة)؛ حيث تم خفض النسبة المطلوبة للمشاركة في توزيع المقاعد من (6%) المعمول بها سابقاً إلى (3%) فقط، بهدف ضمان فوز القوى السياسية حتى الصغيرة منها بمقاعد على مستوى اللائحة الوطنية. بحيث يتم انتخاب (305) عضواً من خلال قوائم حزبية في (92) دائرة انتخابية على مستوى المملكة، بينما يتم انتخاب (90) عضواً عن طريق لائحة وطنية (أي دائرة انتخابية واحدة)، بحيث يخصص ثلثا هذه اللائحة (60 عضواً) للنساء، والثلث الباقي (30 عضواً) يخصص للرجال الذين تقل أعمارهم عن (40) سنة.
كما عمل الدستور الجديد على تشجيع المشاركة السياسية للشباب من خلال خفض السن القانوني للترشح لعضوية مجلس النواب من (23) سنة إلى (18) سنة فقط.
– مجلس المستشارين: وأصبح يتألف من (120) عضواً، بحيث يتم انتخاب (72) منهم كممثلين للجماعات المحلية، و( (2عضوين منهم كممثلين للغرف المهنية، و(8) أعضاء كممثلين للمنظمات المهنية لأصحاب الأعمال، و(20) عضواً كممثلين للعمال.
وقد أجريت أول انتخابات تشريعية في ظل هذا الدستور في يوم 25 نوفمبر عام 2011م، وذلك عقب الاحتجاجات العامة التي شهدتها المملكة بدايةً من يوم 20 فبراير 2011، تطالب بتغييرات ديمقراطية جذرية. الأمر الذي دعا الملك محمد السادس إلى الإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في إطار عملية إصلاح دستوري تشمل منح المواطنين مزيد من الحقوق المدنية الجديدة، وتخلي الملك عن بعض صلاحياته الإدارية.
وقد شارك في هذه الانتخابات (26) حزباً سياسياً، حيث تم اعتماد ورقة اقتراع جديدة تشتمل على رمز معين لكل حزب من الأحزاب المشاركة، مما سهل على الناخب- وبخاصة الناخب الذي لا يعرف القراءة والكتابة- التعرف على الحزب الذي يرغب في التصويت لصالحه.
وقد وصفت هذه الانتخابات بأنها ثورة هادئة وتغيير سلمي حقيقي في المملكة المغربية بالتزامن مع الثورات التي شهدتها بعض البلدان العربية، وأُطلق عليها “ثورات الربيع العربي”. كما وصفت هذه الانتخابات بأنها منحت البرلمان شرعية ديمقراطية، وجعلته نابعاً من إرادة الشعب بشكل فعلي.
ويشار إلى أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات لم تتعد (45%) من المسجلين في اللوائح الانتخابية، الأمر الذي اعتبرته أحزاب المقاطعة (5 أحزاب) استجابة لدعوتها الشعب إلى مقاطعة هذه الانتخابات.