التطور التاريخي للمجالس الاستشارية في المملكة العربية السعودية
ديسمبر 30, 2013
ظهرت المجالس الاستشارية في المملكة العربية السعودية –لأول مرة- بالتزامن مع إعلان الملك عبد العزيز آل سعود عن تأسيس المملكة في عام 1924م؛ حيث تضمنت التعليمات الأساسية للمملكة النص على الأخذ بمبدأ “الشورى” كأسلوب للحكم وفق الأسس الشرعية.
وقد تم تأسيس أول مجلس استشاري في عام 1924م تحت اسم “المجلس الأهلي” من (12) عضواً يمثلون جميع حارات مكة المكرمة (12 حارة)، وتم انتخابهم بواسطة علماء مكة وأعيانها وتجارها. كما كانت اختصاصاته مقصورة على تنظيم الأمور الأساسية اللازمة لإدارة البلاد. ولم يستمر عمل هذا المجلس طويلاً؛ إذ تم حله بعد حوالي ستة أشهر –فقط- من تأسيسه.
وأعقب حل المجلس الأهلي، تأسيس مجلس آخر أُطلق عليه “المجلس الأهلي الشوري”، والذي تميز بوجود تعليمات خاصة به تحدد شروط عضويته، ومن لهم حق الاقتراع، ومواعيد الاقتراع. كما تميز بأنه جمع في تشكيله بين طريقتي الانتخاب والتعيين. حيث ضم المجلس في عضويته أعضاء منتخبين يمثلون جميع حارات مكة المكرمة (12 حارة)، يتم انتخابهم بواسطة علماء مكة وأعيانها وتجارها، على أن يكون من بينهم اثنان من العلماء، وواحد من التجار. كما ضم المجلس في عضويته ثلاثة من الأعيان كان يتم تعيينهم بواسطة الملك. وقد تميز هذا المجلس بتنوع اختصاصاته؛ والتي تمثلت في: تنظيم أمور القضاء، والأمور البلدية، والأوقاف، والتعليم، والأمن، والتجارة.
أما من الناحية التنظيمية؛ فقد تميز هذا المجلس بوجود نائب للرئيس يحل محله عند قيام مانع لديه، إضافة إلى أن المجلس كان يضم عدة لجان دائمة مهمتها حل المشاكل العامة.
وقد شهدت الحياة النيابية في المملكة العربية السعودية تحولاً نوعياً في عام 1926م، حين صدرت التعليمات الأساسية لنظام الحكم، والتي تضمنت النص على إنشاء مجلس جديد –بديلاً عن المجلس الأهلي الشوري- أُطلق عليه “مجلس الشورى”. وكان يتكون من (12) عضواً لمدة سنة واحدة. إلا أن هذا المجلس قد تم حله في يوم 6/7/1927م.
وقد تلا حل مجلس الشورى، صدور أمر ملكي بتعديل الأحكام الخاصة بمجلس الشورى في التعليمات الأساسية لنظام الحكم. حيث أصبح المجلس يُشكل من (ثمانية) أعضاء متفرغين، تنتخب الحكومة أربعة منهم بعد استشارة أهل الفضل والخبرة، بينما تختار هي الأربعة الآخرين، على أن يكون اثنان منهم من أهل نجد، وذلك لمدة سنتين. وقد جرى العمل على أن يعقد المجلس جلساته مرتين كل أسبوع.
ثم أدخلت بعض التعديلات على نظام مجلس الشورى في عام 1928م، حيث أصبح عدد أعضائه غير محدد بثمانية أعضاء فقط، بل أصبح العدد مطلقاً. أيضاً أصبح لرئيس المجلس نائبان أحدهما نائب دائم يعينه الملك، أما الآخر فينتخبه المجلس. كما أصبحت جلسات المجلس تعقد يومياً بدلاً من مرتين أسبوعياً. كذلك أدخل المجلس بعض التعديلات على نظامه حتى يصبح أكثر ملاءمة وتنظيماً لسير أعمال المجلس، والذي أصبح يُسمى (النظام الداخلي لمجلس الشورى).
إلا أن وضع مجلس الشورى قد تغير كثيراً بعد إنشاء مجلس الوزراء في عام 1953م؛ حيث فقد كثيراً من صلاحياته لصالح مجلس الوزراء والأجهزة الحكومية الجديدة.
وقد استمر مجلس الشورى في ممارسة صلاحياته على هذا النحو، حتى تم إصدار نظام جديد له في عهد الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله)، وذلك ضمن مرحلة إعادة تحديث وتطوير كافة أنظمة الدولة، والذي تضمن تطوير وسائل عمل المجلس وأساليبه لتتناسب مع التطورات الكبيرة التي شهدتها المملكة خلال هذه الفترة، كما تم اعتماد اللائحة الداخلية للمجلس والقواعد الملحقة بها.
وقد تشكل المجلس في دورته الأولى من رئيس وستين عضواً، أما في دورته الثانية فقد تشكل المجلس من رئيس وتسعين عضواً، بينما تشكل في دورته الثالثة من رئيس ومائة وعشرين عضواً.
أما في دورته الرابعة فقد تشكل المجلس من رئيس ومائة وخمسين عضواً، من أهل العلم والخبرة والاختصاص في مجالات متنوعة. وقد تمت الإشادة بما حققه هذا المجلس خلال دوراته الأربع المنقضية، نظراً لما أنجزه من أعمال كبيرة، وما أصدره من قرارات هامة.
وقد شهدت مسيرة مجلس الشورى طفرة كبيرة إثر تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد السلطة في المملكة في عام 2005م؛ حيث تم تعديل بعض مواد نظام المجلس كي تساير عملية التنمية التي شهدتها المملكة وبما يحقق ازدهار الوطن ورفاهية المواطن.
وبالنسبة لعضوية المجلس، فإنه يتم تعيين أعضاء المجلس بواسطة الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص. ويشترط في عضو مجلس الشورى أن يكون سعودي الجنسية بالأصل والمنشأ وأن يكون من المشهود لهم بالصلاح والكفاية، وألا يقل عمره عن ثلاثين عاماً. ويوجب نظام المجلس أن يتم عند تكوين المجلس الجديد ألا يقل عدد الأعضاء الجدد الذين يتم اختيارهم عن نصف عدد جميع أعضائه.
ولا يجوز لعضو مجلس الشورى أن يجمع بين عضويته في المجلس وأي وظيفة حكومية، أو إدارة أي شركة، إلا إذا رأى الملك أن هناك حاجة إلى ذلك.
ويحصل عضو مجلس الشورى خلال مدة العضوية على مكافأة شهرية قدرها (ثلاثة وعشرون ألف) ريال. على أن يعامل خلال هذه المدة فيما يتصل بالبدلات والمكافآت والتعويضات والمزايا والإجازات معاملة شاغلي المرتبة الخامسة عشرة. ولا يؤثر ذلك على ما قد يستحقه العضو من مرتب تقاعدي.
وبالنسبة للوضع الدستوري لمجلس الشورى؛ فإن المادة الرابعة والأربعين من النظام الأساسي للحكم تحدد السلطات الدستورية في ثلاث سلطات، هي السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية (السلطة التشريعية). حيث يناط بمجلس الشورى –بالاشتراك مع مجلس الوزراء- مهمة السلطة التنظيمية، والتي تختص بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة العامة وفقا لما حددته المادة السابعة والستون من النظام الأساسي للحكم.
أما بالنسبة لاختصاصات المجلس فإنه على الرغم من التعديلات المتعاقبة التي أدخلت على نظام المجلس؛ حيث تنحصر مهام المجلس –كما هو وارد في المادة الخامسة عشرة من نظامه- في إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء. وللمجلس -على وجه الخصوص- مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإبداء الرأي فيها، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات واقتراح ما يراه مناسباً بشأنها، وتفسير الأنظمة، ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكوميه الأخرى واقتراح ما يراه بشأنها.
وترفع قرارات المجلس إلى الملك ليقرر ما يحال منها إلى مجلس الوزراء لاعتمادها. فإذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها، أما إذا تباينت وجهات نظر المجلسين يعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه.
كما يحق لعشرة أعضاء في المجلس اقتراح نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ وعرضه على رئيس المجلس، الذي يقوم برفعه إلى الملك ليقرر ما يراه مناسباً بشأنه.
أما عن العلاقة بين مجلس الشورى والحكومة؛ فإن للمجلس حق طلب حضور أي مسئول حكومي لجلساته، وذلك إذا كان المجلس يناقش أموراً تتعلق باختصاصاته، ويكون لهذا المسئول الاشتراك في المناقشات دون أن يكون له حق التصويت. على أن يقدم طلب الحضور إلى رئيس مجلس الوزراء بواسطة رئيس مجلس الشورى.
كما يحق لمجلس الشورى طلب تزويده بما لدى الأجهزة الحكومية من وثائق وبيانات، والتي يرى المجلس أنها ضرورية لتسهيل سير أعماله. على أن يقدم الطلب إلى رئيس مجلس الوزراء بواسطة رئيس مجلس الشورى.
ويعقد مجلس الشورى جلسة عادية كل أسبوعين على الأقل، على أن يحدد يوم الجلسة وموعدها بقرار من رئيس المجلس. ولرئيس المجلس تقديم الجلسة أو تأجيلها إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولا تعتبر جلسات المجلس صحيحة إلا بحضور أكثر من ثلثي الأعضاء.
ويصدر المجلس قراراته بموافقة أغلبية جميع أعضائه (وليس بأغلبية الأعضاء الحاضرين). وإذا لم تتحقق هذه الأغلبية يُعاد طرح الموضوع للتصويت في الجلسة التالية، فإذا لم تتحقق الأغلبية اللازمة في هذه الجلسة رفع الموضوع إلى الملك مرفقاً به ما تم بشأنه من دراسة ومبيناً فيه نتيجة التصويت عليه في الجلستين.
وتكون مدة دورة المجلس أربع سنوات هجرية تبدأ من التاريخ المحدد في الأمر الملكي الصادر بتكوينه. ويتم تكوين المجلس الجديد قبل انتهاء مدة سلفه بشهرين على الأقل. وفي حالة انتهاء المدة قبل تكوين المجلس الجديد يستمر المجلس السابق في أداء عمله حتى يتم تكوين المجلس الجديد.
أما عن النواحي المالية لمجلس الشورى، فإن للمجلس ميزانية خاصة تعتمد من الملك، ويتم الصرف منها وفق قواعد تصدر بأمر ملكي. كما يتم تنظيم الشؤون المالية للمجلس، والرقابة المالية، والحساب الختامي، وفقاً لقواعد خاصة تصدر بأمر ملكي.
المرأة السعودية والمشاركة السياسية..
شهد مجلس الشورى نقلة نوعية وتطوراً مهماً في مسيرته في شهر يناير من العام الجاري 2013م حين تم تعديل المادة الثالثة من نظام مجلس الشورى وتم السماح بتمثيل المرأة في المجلس لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، على ألا يقل تمثيلها فيه عن (20 بالمائة) من عدد الأعضاء.
وقد قام الملك عبد الله بتعيين ثلاثين سيدة من نخبة المجتمع السعودي من بينهن أميرتان من الأسرة الحاكمة في تشكيلة المجلس الذي يتكون من 150 عضواَ.
ونص القرار الملكي على تمتع المرأة بحقوقها السياسية كاملة وفق ضوابط معينة، تم تضمينها في نصوص نظام المجلس ومنها أن الالتزام بالواجبات والمسئوليات ومباشرة المهام والتقيد بضوابط الشريعة الإسلامية والحجاب الشرعي، مع مراعاة تخصيص مكان لجلوس المرأة وبوابة خاصة بها للدخول والخروج في القاعة الرئيسة وكل ما يتصل بشئونها بما يضمن الاستقلال عن الرجال.
كما تم تعديل نص المادة (22) من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى؛ حيث أصبحت كل لجنة من لجانه المتخصصة تُشكل من عدد من الأعضاء لا يقل عن خمسة يختارهم المجلس، على أن يراعى مشاركة المرأة في عضوية هذه اللجان.
وقد لقيت خطوة تمتع النساء بعضوية مجلس الشورى السعودي -للمرة الأولى- باهتمام واسع من جانب كافة شرائح المجتمع السعودي، حيث اعتبرت هذه الخطوة بمثابة قفزة متقدمة في إطار عملية الإصلاح التشريعي والسياسي التي تشهدها المملكة في الآونة الأخيرة، كما أنها تعتبر تلبية لما يتطلع إليه المجتمع السعودي من توسيع مشاركة المرأة في صناعة القرارات ووضع السياسات والمساهمة في مختلف جوانب الحياة العامة.